القمة العربية-الروسية... خطوة نحو إعادة التوازن ومواجهة التحديات في المنطقة
تستضيف مدينة مراكش المغربية القمة العربية-الروسية، خلال أيام، وسط ترقب لمخرجاتها التي تكتسب أهمية كبيرة، بالنظر للتحولات الحاصلة على الساحة الدولية، والأزمات المتعددة، وفقا لتقرير نشرته وكالة سبوتنيك عربي.
تعد القمة فرصة هامة للتأكيد على توازن العلاقات العربية مع الأطراف الدولية من ناحية، الانفتاح بشكل أكبر الشراكة مع روسيا في كافة المجالات، ومن ناحية أخرى تعزز مكانة روسيا وحضورها في المنطقة العربية وأفريقيا، رغم الحصار الذي فشل الغرب في فرضه على روسيا. وفق الآراء الواردة في هذا التقرير.
كما تمثل القمة أرضية هامة لمناقشة كافة القضايا المشتركة بين العواصم العربية وموسكو، وكذلك ما يتعلق بقضايا الأمن والقضية الفلسطينية، وما يتصل بالقضايا العربية منفردة، ذات الاتصال بمنظمات المجتمع الدولي، بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، استنادا إلى دور موسكو في هذه المنظمات.
يرى خبيران أن توقيت القمة يمثل أهمية خاصة، بالنظر للتحول الحاصل في النظام العالمي، وما يتجه إليه من "تعدد القطبية"، والذي يرسخه التعاون العربي مع روسيا، في إطار نهج عربي شبه كامل نحو توازن علاقته مع كافة الأطراف، نظرا لمساعي واشنطن بالهيمنة على كل شيء، ونهجها القائم على "الاستفادة الأحادية"، الأمر الذي رفضته أغلبية الدول العربية مؤخرا.
وفي وقت سابق ثمن المندوبون الدائمون لدى الجامعة العربية، "الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة المغربية في سبيل التحضير وإنجاح أعمال المنتدى العربي-الروسي، الذي ستستضيفه مدينة مراكش يوم 20 من الشهر الجاري".
وعبر المندوبون الدائمون خلال اجتماع تنسيقي للمنتدى بالقاهرة، ترأسه المغرب، عن “تطلعهم لأن يشكل اجتماع مراكش فرصة لدفع التعاون العربي- الروسي المشترك الى آفاق أكثر رحابة”.
وفي مطلع العام 2022، أعلنت وزارة الصناعة والتجارة الروسية، أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية قد تجاوز 18 مليار دولار في عام 2021.
وقال وزير الصناعة والتجارة في روسيا، أليكسي جروزديف، في حديثه عن ارتفاع حجم التعاون والتبادل الاقتصادي بين روسيا والدول العربية: "أود أن أشير إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية قد زاد بشكل كبير في السنوات الأخيرة".
يقول أستاذ العلوم السياسية بالمغرب الدكتور محمد الغالي، إن القمة العربية-الروسية تأتي بعد 4 سنوات من القمة السابقة في 2019، في إطار إيجاد مناخ وبيئة مناسبة لطرح كافة الملفات التي تجمع الدول العربية وكافة المجالات، السياسية والعسكرية والاقتصادية.
يضيف الغالي في حديثه مع "سبوتنيك"، أن التحول الذي يعرفه النظام العالمي الجديد هو ما فرض هذا النوع من الانتظار حتى تتوفر أيسر السبل لتكون مخرجات القمة "الروسية-العربية" قادرة على خلق القيمة المضافة في مسار العلاقات بين الجانب العربي وروسيا.
يرى الغالي أن جميع الملفات العسكرية والسياسة والأمنية حاضرة على طاولة القمة، في إطار توحيد الجهود بين روسيا والدول العربية، منها قطاع الطاقة، والاقتصاد، وكذلك الاستثمارات في أفريقيا، في ظل الرهان الروسي على تطوير علاقتها مع روسيا.
الملف الأمني
يشدد على أن الملف الأمني حاضر وبقوة خلال القمة، بالنظر للعمل المشترك في مواجهة الإرهاب، بالإضافة للجانب السياسي الذي يتصل مع الحرب في غزة في الوقت الراهن، ودور روسيا في مجلس الأمن، بشأن العديد من القضايا والملفات المتصلة بالدول العربية.
وأشار إلى أن الخطوة تحقق نوعا من التوازن "الجيوسياسي استراتيجي"، للدول العربية، وعقد تحالفات لمجابهة كافة المخاطر، والسعي لإيجاد مخرجات قادرة على تحقيق الأمن الجيوستراتيجي للدول العربية وروسيا في علاقتها بالمحيط الخارجي.
ما الذي يعنيه استضافة المغرب للقمة؟
يشير إلى أن استضافة المغرب للقمة، يؤكد أن العلاقات العربية-المغربية-الروسية، في مستوى هام، يساعد أن تشكل أرض المغرب مساحة للحوار، وكذلك أن العلاقات الثنائية بين المغرب وروسيا لم تتأثر بالأزمة الأوكرانية، وأن البلدين دبرا كافة الملفات الشائكة بتوافق وتفاهم، والمحافظة على المستوى الاستراتيجي في كافة المجالات.
وتابع" تعقد القمة في سياق يحتاج فيه الجميع لتحقيق الحد الأدنى من التوازن الذي يضمن له مكانة داخل المنتظم الدولي والتحولات الجيوسياسية الجارفة الذي يعرفها العالم غير المستقر، في ظل أزمات متعددة على مستوى مختلف القارات".
وفق الغالي فإن القمة تساعد على طرح وجهات النظر والبحث عن تقريب وجهات النظر وتحقيق الأرضية المشتركة الصلبة والمستدامة الذي تساعد الدول العربية وروسيا في حماية المصالح الاستراتيجية وتحقيق التوازن خاصة في علاقات الدول العربية والولايات المتحدة، التي تشعر بأن الولايات المتحدة تردي أن تبتلع كل شيء، في وقت تصبح فيه كلفة التعايش مع الاستراتيجية الأمريكية مرتفعة بشكل كبير.
نتائج مرتقبة
وشدد على أن الانفتاح على روسيا وتحقيق نتائج متقدمة على كافة المستويات مع روسيا، يدفع الطرف الأمريكية لإعادة تصوره للعلاقات العربية الأمريكية، بما يخدم المصالح المشتركة، دون الاقتصار على خدمة مصالح واشنطن فقط، وفق الاستراتيجية الأمريكية.
استفادة متبادلة
من ناحيته قال الخبير الاقتصادي المغربي أوهادي سعيد، إن القمة تعقد في ظل ظروف غير عادية على المستوى العالمي، بما يكسبها من أهمية قصوى.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن العاهل المغربي أهمية أكد ضرورة تنزيل "تنظيم أطلسي-أفريقي" يضم أيضا دول الساحل، في وقت سابق، مما يعتبر أرضية مستقبلية بالنسبة لروسيا للاستفادة من الأسواق الأفريقية الواعدة.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "روسيا تعتبر المملكة المغربية سوقا كبيرا لمشاريع عملاقة، بعد إطلاقها مع قوى عالمية كبريطانيا والولايات المتحدة والصين، وتأمل أن تستفيد من النهضة المغربية والانطلاق إلى الأسواق الأفريقية".
ويرى أن "صمود روسيا من العقوبات الغربية بالاعتماد على طاقاتها الذاتية وتوقيع اتفاقيات مهمة مع الصين والهند، ومؤخرا مع المملكة العربية السعودية يجعل منها سوقا مهمة للصادرات المغربية، في ظل توجه المملكة المغربية إلى تنويع الشركاء والهروب من التبعية لأوروبا".
ومن المنتظر أن تلقى روسيا دعما عربيا من خلال هذا اللقاء لتشكل بذلك تحالفات جديدة، أهمها تغيير الوجهة من طرف المملكة العربية السعودية التي أدارت وجهها من الولايات المتحدة الأمريكية، والتقرب أكثر إلى تحالف روسي صيني، وفق الخبير.
علاقة المغرب وروسيا
فيما يتعلق بموقف المغرب وعلاقته مع روسيا، يوضح سعيد أن بلاده، ستستمر في تأكيد توجهها إلى تنويع الشراكات، دون الاستغناء على الشركاء التقليديين وتحقيق توازن استراتيجي، يعطيها مزيدا من الصلابة والقوة الإقليمية لتفادي الاعتماد على شريك دون الآخرين.
ولفت إلى أن دولا عربية بعينها ستستفيذ من هذه القمة للسير في طريق التنمية والازدهار، فضلا عن حضور القضية الفلسطينية في صلب النقاشات.
حجم التبادل بين روسيا والدول العربية
وفقا لبيانات وزارة التنمية الاقتصادية الروسية حلت مصر أكبر الشركاء لروسيا بين الدول الإفريقية في القارة السمراء، تلتها الجزائر والمغرب.
ارتفع حجم التجارة مع الدول الأفريقية بنسبة 43.5% على مدى ثمانية أشهر، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول القارة 15.5 مليار دولار، في الفترة من يناير - أغسطس 2023.
وجاءت الدول الخمس الأفريقية الأولى من حيث حجم التبادل التجاري مع روسيا، في الثمانية أشهر الأولى من عام 2023 هي كالتالي:
1.مصر
2.الجزائر
3.المغرب
4.تونس
5.ليبيا.
وفي عام 2022، وصل حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الإفريقية إلى 18 مليار دولار.
في مطلع العام الجاري 2023، كشف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، عن نمو التبادل التجاري بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي إلى مستوى 11 مليار دولار، على الرغم من الصعوبات الجيوسياسية.
جاء التصريح في مؤتمر صحفي عقب الجولة السادسة من الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، الذي انعقد اليوم الاثنين في العاصمة الروسية موسكو.
وقال الوزير الروسي إنه "على الرغم من الظروف الجيوسياسية الصعبة، فقد نجحنا في الحفاظ على اتجاه إيجابي في التجارة المتبادلة، ففي العام الماضي (2022)، ارتفعت التجارة بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من 6% مقارنة بالعام الذي قبله (2021)، وتجاوزت 11 مليار دولار".