هل تتوقف الولايات المتحدة عن دعم إسرائيل؟
تواصل الإدارة الأمريكية، حتى بعد مرور أكثر من شهرين على العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، تقديم دعم لا محدود إلى إسرائيل، وتتجنب إطلاق أى تصريح علنى تستشف منه الدعوة إلى وقف إطلاق النار، بل وتحول أيضًا دون اتخاذ قرار فى مجلس الأمن الدولى بهذا الشأن.
فى الوقت نفسه يبدو أن هناك اختلافات فى وجهات النظر بين حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، وإدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، بشأن موضوعين أساسيين، هما: خطط إدارة الحرب، والواقع السياسى والأمنى فى غزة بعدها، أو ما يسمى بـ«اليوم التالى للحرب»، وتقدير الولايات المتحدة أن نتنياهو يريد جرها إلى حرب موسعة مع إيران، خاصة بعد التصعيد الحوثى فى البحر الأحمر وتصاعد حدة الاشتباكات مع «حزب الله» الإيرانى.
وبين التأييد المطلق والخلافات المتزايدة تستعرض «الدستور» أبعاد الدعم الأمريكى لإسرائيل فى حربها على قطاع غزة، ومدى قدرته على الاستمرار، بالإضافة إلى تفاصيل أهم نقاط الخلاف بين الجانبين فى الفترة الأخيرة.
الانحياز مستمر رغم تصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية لواشنطن
فى ٧ ديسمبر الجارى، أكد نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى، جوناثان فاينر، أن الأمريكيين لم يعطوا الإسرائيليين موعدًا نهائيًا لإنهاء العمليات القتالية الرئيسية فى المعركة، مضيفًا أنه «إذا ما انتهت الحرب اليوم، فإن حركة حماس ستستمر فى تشكيل تهديد على إسرائيل، وبالتالى، فإن الولايات المتحدة لا تطلب من إسرائيل التوقف».
فيما أكدت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكى، فى ٢ ديسمبر، خلال مشاركتها فى مؤتمر المناخ الذى عُقد فى دبى، أن الرئيس الأمريكى جو بايدن متمسك بنهجه الذى يقول إن لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها ضد السلوك «الوحشى والمروع» الذى تمارسه حركة «حماس»، وبذلك، فإن «الإدارة تؤيد الأهداف الإسرائيلية الشرعية المتمثلة فى القضاء على تهديد حماس».
ومع ذلك، فقد كررت «هاريس» بلهجة أكثر حدة الشروط الأساسية التى وضعتها الإدارة منذ بداية الحرب، والمتمثلة فى التزام قواعد القانون الدولى فى كل ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، والمحافظة على حياة المواطنين الأبرياء.
جاء ذلك رغم تصاعد الانتقادات للموقف الأمريكى الداعم لإسرائيل، ووفقًا لاستطلاع للرأى أجرته وكالة «رويترز»، فإن ٦٨٪ ممّن شملهم الاستطلاع فى الولايات المتحدة يدعمون وقف إطلاق النار فى غزة.
وتؤكد التقارير المختلفة أن الآونة الأخيرة شهدت تصاعد الانتقادات إلى الإدارة الأمريكية، التى تعلم جيدًا مدى الانتقادات العديدة الموجهة إلى سياستها، سواء من جانب أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين، أو من جانب القطاعات التى تدعم، تقليديًا، الحزب الديمقراطى فى صفوف الشعب الأمريكى، فضلًا عن التحفظات التى تبدو متزايدة لدى بعض المسئولين الأمريكيين فى كل من وزارة الخارجية والبيت الأبيض.
وفى هذا الصدد، أفادت تقارير إعلامية بأن ٥٠٠ من أعضاء الإدارة الأمريكية أرسلوا رسالة انتقادية استثنائية بهذا الشأن إلى الرئيس الأمريكى، ويظهر هذا الانتقاد أيضًا فى الاستطلاعات التى رصدت القلق المتزايد لدى الحلقة المحيطة بـ«بايدن».
وأظهرت أن الإدارة الأمريكية على وعى بالهجمات المتصاعدة الموجهة إليها وإلى إسرائيل فى الصحف الأمريكية الرائدة، خصوصًا على صفحات كل من «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، التى صعّدت، بدورها، من حدة الانتقادات فى الكونجرس وبين الأمريكيين. وأكدت أنه، على الرغم من ذلك، فإن بايدن يواصل إطلاق تصريحات تؤكد استمرار دعمه لتل أبيب.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن الموقف الأمريكى يشكل فرصة كبيرة، لأن إصرار إدارة الرئيس بايدن على تقديم الدعم المالى والسياسى لها يوصل رسالة رادعة وواضحة إلى خصومها، خصوصًا إيران، ويساعدها على الاستمرار فى الحرب. ورغم أن الإدارة الأمريكية لديها مصلحة واضحة وراء دعم إسرائيل، إلا أنه لوحظ خلال الأيام الأخيرة أن هناك تغييرًا جاريًا فى الموقف الأمريكى، وهناك علامات أولية لذلك التغيير، الذى قد تترتب عليه آثار بعيدة المدى فى حيز المناورة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
خلافات حول «اليوم التالى للحرب» وتولى السلطة الفلسطينية إدارة غزة
تختلف الرؤية الأمريكية والإسرائيلية حول ما يعرف بـ«اليوم التالى للحرب»، فبينما تريد الولايات المتحدة صياغة خطة واضحة لليوم التالى لحرب غزة، إلا أن إسرائيل تشغلها المعارك وتريد أن تؤجل النقاش حول ما سيحدث فى القطاع بعد الحرب.
وحسب دراسة للباحث تشاك فرايليخ، نشرت فى معهد الأمن القومى الإسرائيلى، فإن الإدارة الأمريكية تحرص فى كل فرصة على استعراض المبادئ التى تفترض أنها تشكل الأساس لـ«اليوم التالى للحرب»، والتى تمت صياغتها فى بداية الحرب فى سياق حوار داخلى أمريكى، ومع شركاء فى الإقليم والساحة الدولية.
وأظهرت الدراسة أن تلك المبادئ ترتكز على أنه لن يُسمح بتهجير السكان، ولن يتم فرض حصار، أو أن يكون هناك احتلال جديد، ولن يُسمح بتقليص المناطق، ولن يعود قطاع غزة منصة لـ«الإرهاب».
وحسب الدراسة، فإن الولايات المتحدة تؤكد أنها تسعى إلى رؤية كل من قطاع غزة والضفة الغربية موحدتين، تحت سلطة فلسطينية «مُنشطة»، كما تؤكد وجوب التوصل إلى توافق ودعم إقليمى لثلاثة مجالات، أولها إعادة إعمار القطاع وتخصيص المجتمع الدولى موارد كبيرة لذلك، على المديين القصير والبعيد.
أما ثانى تلك المجالات فهو تعزيز قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، إلى أن تصبح، فى نهاية المطاف، قادرة على تولى المسئولية الأمنية فى قطاع غزة، وحتى ذلك الحين، فهناك حاجة إلى التوصل لترتيبات أمنية مقبولة لكل من إسرائيل وسكان قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية والشركاء الدوليين.
ويتمثل ثالث المجالات فى إعادة تجديد السلطة الفلسطينية «Revitalized»، بحيث «تخدم إرادة الشعب الفلسطينى بطريقة تتيح له التمتع بسيادة القانون وحكومة تعمل بشفافية من أجل مصلحته»، وفى نظر الإدارة، فإن هذه السلطة «المجددة» ينبغى أن تكون قادرة على السيطرة على قطاع غزة والضفة الغربية.
وتتفق الولايات المتحدة وإسرائيل على أن «حماس» لن تحكم فى غزة، ومنذ بدء الحرب، يطالب «بايدن» والمقربون منه بمعرفة كيف ترى إسرائيل الجهة التى ستحكم بدلًا من «حماس»، بعد انتهاء الحرب، لكن ردّ إسرائيل طوال الوقت هو أنه يجب إخضاع «حماس» الآن.
بدوره، يشدد «بايدن» على إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة وحلّ «دولتين لشعبين»، ويؤكد أنه يريد أن تهزم إسرائيل حركتى «حماس» و«الجهاد» الفلسطينيتين، لكنه يرى أيضًا فرصة فى تحقيق الرؤية الأمريكية المستمرة منذ سنوات بشأن التوصل لحل دائم، بينما يرفض «نتنياهو» أن تتولى السلطة حكم القطاع.
وهناك اتجاهات داخل إسرائيل لا ترفض بشكل قاطع أن تتولى السلطة حكم غزة، ولكن فقط عندما تلتزم بشروط معينة، كأن يكون لدى تل أبيب إمكانية الوصول إلى كل مكان فى القطاع، مع إقامة منطقة أمنية عازلة بين إسرائيل وغزة، ومنع أعمال «حماس» و«الجهاد»، وتفكيك منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وإجراء تغييرات فى المناهج التعليمية والإعلام، ووقف دفع المخصصات لعائلات «الأسرى»، والرقابة على حركة الأموال، وغيرها من الأمور.
ومن المتوقع أن تتبنى الولايات المتحدة تلك الشروط، التى سترفضها السلطة الفلسطينية، وهو ما قد يشكل أزمة كبيرة للولايات المتحدة بعد الحرب.
نقطة الخلاف الثانية التى تشير إليها التقديرات فى إسرائيل تتعلق بحدوث تغيير بطىء فى الموقف الأمريكى من دعمها، بسبب التطورات على محورين رئيسيين، الأول هو إدراك أمريكا أن إسرائيل تواجه صعوبات فى تحقيق الأهداف العسكرية فى ظل إطار زمنى محدود، خاصة مع وجود الأزمة الإنسانية فى غزة، واحتمال أن تعمق العمليات العسكرية فى جنوب القطاع تلك الأزمة عبر إلحاق أذى كبير بالمدنيين.
أما المحور الثانى فهو المخاوف الأمريكية من اتساع حلقة الحرب نحو الجبهة الشمالية، ونشوء واقع تنجر الولايات المتحدة فى سياقه وبصورة مباشرة إلى المعركة، خاصة بعد تصاعد الأحداث السريع فى البحر الأحمر.
من جانبه، يقوم «نتنياهو» بمناورة كبيرة مع واشنطن، وفى الحالتين، فإن دافعه سياسى من أجل البقاء، أملًا فى تحميل الولايات المتحدة تهمة أنها هى التى منعته من تحقيق نصر تاريخى يغيّر الواقع فى المعركة، خاصة أنه يريد أن يبلور سردية أن الفشل الهائل فى ٧ أكتوبر كان يمكن أن يتحول إلى إنجاز استراتيجى لو هاجمت الولايات المتحدة إيران.