القرآن وتبرئة المرأة من وصمة الخطيئة الأولى.. شيخ الأزهر: الإسلام أوَّل مَن يُنسب له فضل السَّبق في تحرير المرأة
أثار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تساؤلٍاً فحواه: أيُّ قانون وأي نظام اجتماعي أوسياسي أحقُّ بأن يُنسَب إليه دور الريادةِ في تحرير "المرأة"، والسَّبْق في انتشالها من جهالات العقول وضلالات الأنظمة والقوانين؟!.
تحرير المرأة في الإسلام
أجاب الطيب أنه تبيَّن لنا من شهادات التاريخ القديم والحديث أنَّ شريعة الإسلام هي أوَّلُ مَن يُنسب لها فضل السَّبق في تحرير المرأة، وأنَّ القُرآن الكريم هو أوَّلُ كتابٍ إلهي ردَّ إلى المرأة كرامتها، ولفت أنظار البشرية إلى دورِها المحوري في صناعة المجتمعات، وصياغة الرجال، وإعداد الشباب، كما بيَّن للمرأة حقوقها، وما يجب لها وما يجب عليها، سواء في آيات مُتفرِّقة في بعض سور القرآن الكريم أو في آياتٍ مجموعة في سُوَرٍ أخرى سُمِّيت باسم سورة: النِّساء، أو سورة: الطلاق، أو سورة: التحريم.
القرآن وتبرئة المرأة من وصمة الخطيئة الأولى
وبيّن شيخ الأزهر خلال حلقته الرابعة ببرنامجه "الإمام الطيب، المذاع على القناة الأولى والفضائية المصرية وبعض القنوات العربية والأجنبية، والتي جاءت تحت عنوان:" القرآن وتبرئة المرأة من وصمة الخطيئة الأولى" أن المتتبِّع لمنهج القرآن في هذا الشأن يجد أنَّه بدأ منذ وقتٍ مُبكِّر من العهد المكي، باسترداد أهمّ ما سُلبته المرأة من حقوق، وهما: حقُّ الحياة، وحقُّ الوجود الأصيل في قلب الجمعيَّة الإنسانيَّة، ثم حقّ البراءة من رجس الشيطان، وانحطاط الحيوان، وذلك قبل أن يسترسل القُرآن الكريم في العَهْدَيْن: المكي والمدني، في استرداد بقيَّة ما سُلب منها من حقوقٍ عبر التاريخ، وبظلمٍ من المجتمع أو الرجل أو العادات والتقاليد، ومن المسلَّم به، أنَّه ما لم يَثبُت للمرأة حقُّ الحياة وحقُّ الإنسانية أولًا، فلا يُمكن أن يَثبُت لها حقٌّ آخَر من الحقوق، كبُر هذا الحقُّ أو صَغُر، أما حقِّ الحياة؛ فإنَّ الآيات التي وردت في التحذير من جريمة وأد البنات وتجريم مُقترِفيها معلومة للجميع، سواء جاء التحذير من هذه الجريمة في صورة تسفيه وتوبيخ مثل قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9] أو في صورة نهي صريح، مثل قولِه تعالى في سورة الأنعام: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ [أي: من خوف فقر] نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151].
وأكد فضيلة الإمام الأكبر أن القرآن لم يكتفِ بتجريم هذه الظاهرة وفَضْح بشاعتها، بل ذهب إلى أبعَد من ذلك، حين جرّم ظاهرة أخرى، لا تزال موجودة، لدى كثيرٍ مِمَّن تَضِيق صدورُهم حين يُبَشَّر بولادةِ الأنثى، وقد صوَّرهم القرآنُ الكريمُ في صورة بائسة ساخرة، في قولِه تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59]، وكذلك الأمر فيما يتعلق بلعنة الخطيئة التي وُصِمت فيها المرأة بالمسؤوليَّة عن إغواء زوجها آدم، وإغرائه بالأكل من الشجرة المحرَّمة، وخروجِهما مع الشيطان من الجنَّة، والهبوطِ إلى الأرض، وقد سَرَتْ هذه «العقيدة» شرقًا وغربًا مَسْرَى الحقائقِ التي لا تَقبَل جَدَلًا ولا نِقاشًا، وأثَّرت في عقائد العامَّة، بل في عقائد كثير من رجال الدِّين قديمًا وحديثًا، بل عاشت المرأة نفسها قُرونًا متطاولة تعتقدُ أنها كذلك، وأنها هي مَن أخرجت آدمَ من الجنَّة، والقُرآن الكريم كما أعاد للمرأة حقَّ الحياة، أعاد لها حقَّها في الإنسانية ليُصحِّح الصورة السلبيَّة التي لازمت المرأة قديمًا وما زالت تُلازمها حديثًا، ففي أوائلِ سورة البقرة وسورٍ أخرى غيرها يسردُ القرآن الكريم قصَّةَ بدءِ الخلق، وخروج آدمَ وحواء -ومعهما الشيطانُ- من الجنَّة، وهبوطِ ثَلاثتهم إلى الأرض، على نحوٍ مُغاير، في مضمونه وغاياته، لما أَلِفَه الناس واعتادوا سماعَه في شأن هذه القصَّة.
وأوضح شيخ الأزهر أن ما يقصّه القرآن في هذا الشأن ويسوقه مساق الحقائق التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها هو أنَّ الله تعالى أَمَر آدم وزوجته حواء بأن يَسكُنا معًا في الجنَّة: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35]، وأن يأكلا -معًا- من شجرها وثمرها حيث شاءا من غير حَجْر ولا تضييق، اللهمَّ إلَّا شجرة واحدة نهاهُما -معًا- من الاقترابِ منها والأكلِ من ثمرِها، وحذَّرَهما من الوقوع في الإثمِ والمعصيةِ إنْ هما أكَلَا منها، ثم يُخبرنا القرآن –بعد ذلك- بأنَّ الشيطانَ تَسلَّل لآدم وحواء ووسوس لهما معًا ولم يختصَّ بوسوسته حواء فقط، كما يعتقد كثيرون، وهذا ما تتلوه علينا سورة الأعراف في قولِه تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} [الأعراف: 20]، وكذلك سورة طه، التي تُؤكِّد أنَّ الشيطانَ هو الذي وسوس لآدمَ، وذلك في قولِه تعالى : {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ} [طه: 120]، ثم يستمرُّ المشهد بين عدوَّيْن لَدُودَيْن: آدمَ وزوجتِه من جانبٍ، والشيطانِ بحبائلِه ووسوستِه من جانبٍ آخَر، وينتهي الموقفُ بمخالفةِ الزوجين للأمرِ الإلهي، والاستجابةِ لهذا العدو الماكر، والإقدامِ على الأكل من الشجرة، ثم صُدور الأمر الإلهيّ –بعد ذلك- بإخراج الجميع من الجنَّة: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 36].
وأضاف فضيلته أنه على هذا المنوال، وفي الاتجاه ذاتِه تَرِد القصة، في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، وفي أكثر من موضع من مواضعه، لتُصحِّح هذه الصورة السلبيَّة التي لازمت المرأة قديمًا وحديثًا، ولتُعلن أنَّ لكلّ من آدم وحواء مسؤوليَّة مُستقلَّة استقلالًا تامًّا.