الحوار نيوز
الأحد 8 سبتمبر 2024 مـ 04:41 صـ 4 ربيع أول 1446 هـ
الحوار نيوز

بكيزة وزغلول إصدار القرن ٢١

 الدكتور هاني أبو العلا وكيل كلية الآداب جامعة الفيوم
الدكتور هاني أبو العلا وكيل كلية الآداب جامعة الفيوم

كتب الدكتور هاني أبو العلا وكيل كلية الآداب جامعة الفيوم، فتشت في قنوات التليفزيون صباحا لأجد إحدى حلقات المسلسل الشهير في ثمانينيات القرن الماضي"بكيزة و زغلول" هذه الرائعة الفنية، التي ألفتها الفنانة اسعاد يونس، وابدعت في التمثيل فيها مع الفنانة القديرة سهير البابلي.


يحكي المسلسل قصة بكيزة الدراملي والتي تفاجأت بعد وفاة زوجها الكهل الثري (العشماوي) بمجيْ ابنته (زغلول) تلك الفتاة التي تربت في ظروف شديدة الفقر والقسوة بعيدًا عن نعيم والدها الثري.


وتدور أحداث المسلسل حول العشماوي والد زغلول الذي حاول ان يبحث عن ابنته المفقودة من خلال الاعلان في الصحف في نهاية أيام حياته، لتصل ابنته زغلول ولكن يجئ وصولها متأخرا بعد وفاته لتجد أرملته بكيزة المتعجرفة والمسكينة في ذات الوقت، وتصير المشاهد التمثيلية أكثر سخونة بين البنت الغجرية و السيدة الأرستقراطية، في حبكة درامية كوميدية فلسفية.


شدتني أحداث تلك الحلقة، التي ظهرت فيها بكيزة الدراملي بنت الأصول بعدما تدهور بها الحال، فلم تعد تجد حتى الفتات، وتدخل النادي في جولتها لتقابل إحدى صديقاتها، محافظة على انتشاءها والبريستيچ التي عرفها به أعضاء النادي، فيفضحها الجوع والعطش، وبعدما تقدم لها صديقتها بعض السندوتشات، وفي محاولة التماسك وتصنع النزاهة، إذا بها تنتهز فرصة انشغال صديقتها مع صغيرها، لتلتقط خلسة المزيد من سندوتشات الطفل، فيفضحها الطفل الذي يعنفها بعفوية لأنها قد التهمت السندوتشات الخاصة به، ثم يزيد الطين بلة بتساقط بعض السندوتشات من حقيبتها في مشهد ساخر.


بكيزة هانم، التي تخرج من النادي لتذهب لأحد محال الازياء باهظة السعر لترضي غرورها بعد معاينة كثير من الفساتين لرفضها لها معللة بأنها دون المستوى، لكن بعد أن أن تنهم كوب العصير وكوب الماء وتتصرف.


وعلى طرف نقيض فهذه زغلول بنت العشماوي (بنت الأكابر حقا) وهي من عايشت الفقر فأصبحت بسيطة غير متكلفة، لا ترى فائدة لحديقة قصر والدها إلا بزراعة بعض الجرحير والخضروات، الذي يصلح لتقتات منها وتقتات معها بكيزة.


ويجمع التاكسي بسائقه النكِد بكيزة هانم شديدة الضجر على ضياع أوهام الماضي مع سيدات الطبقة الكادحة السعيدات بنجاحهن في الحصول على بعض منتجات الجمعية الاستهلاكية في حبكة تمثيلية ساخرة بين الجد والاجتهاد في سعادة بالغة ورضاء نفس لتحقيق أدنى منازل العيش من ناحية، والتأفف المخلوط بالتعالي لضياع مصادر الرفاهية والبزخ من ناحية أخرى.


ومع أن تلك الرائعة التمثيلية أذيعت على شاشات التلفاز في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنني أراها تذاع على شاشات الحياة في عصرنا الحالي، لكن مع تعديل السيناريوهات.


فبالرغم إن المصري عرف واشتهر بأصالته وهو ابن الفلاح البسيط الذي زينته رائحة عرقه الطاهر وهندامه المهلهل، ما زال افتخار البعض بالأصول الأرستقراطية والفارق البسيط أنه افتخار زائف على طريقة المثل المأثور(قارعة وتتزين بشعر ابنة أخيها) فكثيرا ما نرى البعض يتظاهر بإنه من الأثرياء وإنه ابن فلان بك وعلان باشا، وهو ابن الفلاح البسيط، الذي كد وجاهد كي يصل ابنه لمنزله مرموقة.


وربما لايقف الفشر عند حد إجحاف حق الأب المسكين في الافتخار بكون ابنه أو بنته امتدادا له، متفاخرين بدوره العظيم، بل يتعدى ذلك بكثير في التعالي على البسطاء و محاربة الأيام الصعبة في صورة الحقد على ذووي الأصول الأرستقراطية بالفعل.


المشاهد في عصرنا الحالي كثيرة لهؤلاء البكائز، بأشكال عدة وفي ميادين متعددة، وفي المقابل نجد الزغاليل مازالوا يضحكون في سكينة واطمئنان ورضاء لمجرد فوزهم ببعض السلع من الجمعيات الاستهلاكية أو الحصول على قوت يومهم.


رحم الله الفن الجميل، وحفظ مصرنا الغالية وكل الزغاليل.

موضوعات متعلقة